حرّم الله تعالى الميسر و عدّه من كبائر الذّنوب و اعتبره رجساً من عمل الشّيطان و الرّجس يطلق على كل الأعيان الخبيثة سواء كانت ماديةً أو معنويةً و قد جاء تحريم الخمر و الميسر تدريجياً و هذا من حكمة الشّرع فلو جاء التّحريم ابتداءاً لصعب على النّاس تركه ، فالنّفوس جبلت على التّدرج في أفعالها فترى صاحب العمل الحكيم إذا أراد معاقبة موظفٍ على فعله أرسل إليه انذاراً و ربما تكلّم معه ليقنعه بخطئه و بيّن له عاقبة فعلته ، و لله المثل الأعلى فقد جاء تحريم الخمر و الميسر بمخاطبة النّاس و بيان لهم بأنّ الخمر و الميسر فيهما إثمٌ كبيرٌ و كذلك فيهما منافع لبعض النّاس بما تراه أنفسهم و بما يصوّر لهم هواهم من النّفع الماديّ الدنيويّ و عقد الشّرع الحكيم مقارنةً بين الإثم و المنفعة المتحصّلة من هذه الأفعال فبيّن أن إثمهما أكبر من نفعهما ، ثمّ جاءت الآية الكريمة بتحريمٍ قاطعٍ للخمر و الميسر و بيّنت أنّها من رجس الشّيطان و عمله و أمرت باجتنابها و الاجتناب هو آكد في تحريم الشّيء فمعناه أن تبتعد عن كل ما يقربك من هذا الفعل و يضعك في دائرة التّحريم ، فمُنع لأجل ذلك وحُرّم أن تجلس في مجلسٍ تصبّ فيه الخمور ، ثم بيّن الله سبحانه و تعالى سبب تحريم هذه الأفعال و أنّ الشّيطان يسوّل للإنسان ارتكابها ليوقع بين النّاس العداوة و البغضاء و ليصدّهم عن ذكر الله و عن الصّلاة ، و هذا مراد إبليس – لعنه الله تعالى – و غايته ، فالخمر تذهب بالعقل الذي هو مناط التّكليف و الميسر كذلك تذهب بالعقل معنوياً فيصبح انشغال العقل و الرّوح بها انشغالاً عجيباً و وسواساً مريباً .
و لا شك أنّ هناك صورٌ معاصرةٌ كثيرة للميسر يزيّن الشّيطان للإنسان ارتكابها بدعوى اختلافها عن ما حرّم الله تعالى ، فالمسابقات التي تزخر بها شاشاتنا و التي تتلاعب بمشاعر الناّس و تزيّن لهم الباطل وتأكل أموالهم بالباطل كلها من صور الميسر المحرّم و وجب على المسلم اجتنابها ، و نرى كثيراً من النّاس قد وقعوا في حبائلها فخسروا الأموال الطّائلة أملاً بالرّبح الوفير السّهل ، لأجل ذلك حثّ الإسلام على التّجارة و السّعي الحلال الطيّب فهو الطّريق الوحيد لكسب المال ، بل و فيه البركة التي وعد بها الرّحمن عباده المتقين .
المقالات المتعلقة بما هو الميسر